الثلاثاء, سبتمبر 30, 2025
الرئيسيةأخبار الحركةدوليةتقرير حالة دولة سوريا 2025

تقرير حالة دولة سوريا 2025

● استشراف حالة الدولة
▪ سيظل المشهد السياسي في سوريا ضبابياً في الأشهر القادمة، وسط بيئة معقدة من مجموعات تسعى لضمان موقعها في النظام الجديد.
▪ في الأجل القصير؛ لا يمكن التقليل من مخاوف “الثورة المضادة”، لكن يحد نسبيا من خطورتها التدهور الحاد في مؤسسات نظام الأسد، كما أن انتصار الثورة عسكريا يجعل جهود التصدي لفلول النظام أكثر حسما وسرعة.
▪ ستكون السياسة الخارجية للنظام الجديد عموما ذات طابع انكفائي يتجنب العداء والتصعيد مع الأطراف الخارجية، ويبتعد عن صراعات المحاور.
▪ أظهر أحمد الشرع ميله للتوجه غربا، بما يمثل إعادة ضبط تاريخي للدولة السورية في المعادلة الجيوسياسية الدولية. وستكون الأولوية لإعادة بناء العلاقات مع واشنطن وأطراف إقليمية، بما يخدم ضرورة رفع العقوبات وإطلاق جهود إعادة الإعمار وإصلاح الاقتصاد. كما أن التهديدات الجيوسياسية تجعل الشراكة الأمنية والدفاعية مع تركيا ضرورة، مع الإبقاء على هامش مناورة بين المصالح الأمريكية والروسية.
▪ يمثل التغيير في سوريا كابوسا أمنيا للاحتلال الإسرائيلي؛ إذ لا تتوفر ضمانات إزاء طبيعة النظام الجديد في المدى الطويل، كما أن احتمالات الوجود العسكري التركي في سوريا يمثل تحولا في البيئة الاستراتيجية للاحتلال. ومن المرجح أن يتمسك الاحتلال في 2025 بالتواجد في منطقة عازلة، وقد يعمل بشكل استراتيجي على تعزيز نفوذه في الجنوب السوري بالقدرات الاستخباراتية، وعبر دعم فصائل محلية سورية.
▪ تتبنى دمشق استراتيجية عربية تقوم على بناء علاقات مميزة، وتجنب الصدام والاستقطاب
▪ تركت سنوات الحرب أثراً عميقاً على البنية التحتية في قطاعات الكهرباء والمياه والنقل، كما تضررت قطاعات الاقتصاد الحيوية خاصة النفط والزراعة. ورغم التحديات الهائلة، تملك سوريا نقاط قوة وفرصا اقتصادية يمكن الارتكاز عليها.

● أولا: الحالة السياسية
▪ سيظل المشهد السياسي في سوريا ضبابياً في الأشهر القليلة القادمة، وسط بيئة معقدة من الفصائل والمنظمات العسكرية والمجموعات السياسية والتنظيمات المدنية في الداخل والخارج، تسعى جميعها للدفاع عن مصالحها في النظام الجديد الذي ما زال قيد التشكل.

مؤتمر الحوار وتكريس الشرعية

▪ يعكس الإعلان عن مؤتمر شامل للحوار الوطني إدراك الإدارة الجديدة لحجم الانقسامات العميقة بين المكونات السورية من الناحية العرقية والدينية والسياسية. لكنّه أيضا يشير إلى حاجة الشرع إلى نقطة ارتكاز قانونية تنهي حالة “قيادة الأمر الواقع”، كي ينتقل من كونه قائداً لفصيل وغرفة عمليات عسكرية ليصبح رئيساً شرعيا لسوريا في المرحلة الانتقالية، والتي ستستمر لسنوات وفق رؤيته. ومن المرجح أن يعلن المؤتمر عن خطوات لترتيب المرحلة الانتقالية، تتمثل في: حل الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، بالإضافة لحل مجلس الشعب، وإلغاء العمل بالدستور السابق، وتشكيل هيئة استشارية للقيادة العامة، والإعلان عن لجنة قانونية لصياغة الدستور، أو اعتماد دستور 1950 مؤقتا، والأهم هو منح الثقة للشرع رئيساً للبلاد، وتفويضه بتشكيل حكومة مؤقتة.

■ نظام الحكم وملامح الدولة السورية الجديدة.
▪ ضوء التنوع العرقي والديني وتعدد الفاعلين المحليين والدوليين، ستتأثر مسألة شكل الحكم والدولة السورية الجديدة بعدة عوامل، أهمهما سياسة الشرع وهيئة تحرير الشام باعتبارها الحزب الحاكم الفعلي، وقدرة الشرع على ضبط الأمن وتوحيد البلاد وتحقيق الاستقرار، ومواقف الدول الخارجية ومدى انفتاحها على السلطة الجديدة. وفي هذا الصدد، يبدو أن المستقبل في سوريا مفتوح على سيناريوهات عدة

  • بناء نموذج حكم مركزي في دمشق تنصهر فيه معظم الأطراف السورية الفاعلة ويُخضع كل الجغرافيا السورية.
  • نظام فيدرالي يقترب من النموذج العراقي، على أساس التوازن بين حكومة دمشق المركزية، وحكومة إقليم كردية في شمال شرق البلاد.
  • تقسيم البلاد على أسس جغرافية وطائفية وإثنية بعد تدخلات أجنبية

■ هواجس الثورة المضادة

● الأجل القصير؛ لا يمكن التقليل من المخاوف الخاصة بقيام “ثورة مضادة”، وتكرار سيناريو مُشابه للنماذج التي شهدتها دول عربية أخرى، خصوصاً في ظل تسارع بعض الدول الإقليمية أو القوى الدولية لتحريك جهات محلية سورية، أو بعض فلول النظام. وما يجعل هذا الاحتمال قائما هو أن النظام القديم لا تمثله فقط نخبة حاكمة مدنية أو عسكرية، وإنما أيضا جهاز الحكم البيروقراطي والأجهزة الأمنية المتنوعة والتي لديها جميعا علاقات وتحالفات خارجية، خاصة مع روسيا وإيران. لكن هذا التهديد يحد نسبيا من خطورته التدهور الحاد في مؤسسات نظام الأسد خلال السنوات الأخيرة، كما أن انتصار الثورة في الحالة السورية كان عسكريا، وليس سياسياً شعبيا، وهو ما يجعل من جهود التصدي لفلول نظام الأسد أكثر حسما وسرعة.

■ ثانياً: الحالة الأمنية

● الفصائل المسلحة وتحديات الانتقال

  • سيُبقي الجيش الوطني السوري على انتشاره على الحدود التركية شمال شرق سوريا ما دام الصراع ضد قسد قائماً. وسيتوقف حسم هذا الصراع أولاً على نهج الولايات المتحدة إزاء تواجدها العسكري في سوريا، خاصة وأن أعضاء بارزين في إدارة ترامب أعربوا عن رغبتهم في استمرار الدور الأمريكي العسكري في سوريا.
    ● في الجنوب؛ قد لا يتمكن الشرع خلال العام الجاري من دمج فصائل غرفة عمليات المنطقة الجنوبية وفصائل السويداء بشكل كامل في وزارة الدفاع، وذلك لعدة أسباب منها؛ تعقّد العلاقات الأردنية والإسرائيلية مع هذه الفصائل، والطبيعة الفوضوية التي تعودت عليها المجموعات المسلحة في الجنوب، إضافة إلى التوازنات العشائرية والطائفية التي سيحرص على مراعاتها.
    ● سيبقى تهديد تنظيم الدولة قائما. فخلاياه المنتشرة في كامل الجغرافيا السورية بدأت تنشط في المدن بعد انسحابها من البادية، وهناك عدة ظروف وعوامل قد تساعد على إحياء فكر التنظيم، مثل توجه السلطة نحو البعد الوطني والابتعاد عن الشعارات الإسلامية، وعلاقاتها المعقدة مع الغرب ودول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية والعراق والأردن وتركيا، وتجنبها الخوض في القضية الفلسطينية، وسياستها مع الأقليات والتي سيجد من خلالها التنظيم مبررات للتجنيد واستعادة النشاط واستقطاب الساخطين على الإدارة الجديدة.

■ المؤسسة الأمنية والعسكرية

● تمثل وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية المتنوعة الركيزة الأهم والأكثر نفوذاً في النظام السابق. ولهذا السبب كان نحو 80٪ من المسؤولين والضباط فيها من الطائفة العلوية التي استند إليها نظام الأسد. وتشير التقديرات أن عدد العاملين في وزارة الدفاع يقرب من 400 ألف، لكنّ هذا العدد لم يكن دائما، وعلى الأرجح فإن قوات الجيش في السنوات الأخيرة كانت أقل من ذلك نتيجة الهروب الواسع من التجنيد وتراجع قدرة النظام على تقديم عوائد مالية تلبي الحد الأدنى لمعيشة الجنود. ومع انتصار هيئة تحرير الشام وحلفائها في ديسمبر/كانون أول الماضي، تفككت تلقائياً المؤسسات الأمنية وسُرح الجيش السوري، وبات الآلاف من الضباط هاربين وملاحقين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

■ القواعد الأجنبية

● تعج سوريا بالقواعد العسكرية الأجنبية الأمريكية وحلفائها من دول الناتو والقواعد التركية والقواعد الروسية، وتدعم هذه القوات الأجنبية قوى ذات توجهات مختلفة، لذلك يعتبر حصر وجود السلاح بيد الدولة وحل موضوع القواعد الأجنبية أولوية أساسية للمرحلة الحالية. ويتوقع أن يرغب الشرع ببقاء عدة قواعد لتركيا وروسيا كورقة ضد النفوذ الغربي والإسرائيلي، كما أن الولايات المتحدة قد لا تفكر في سحب جميع قواعدها حتى بعد حل مسألة قسد، ويمكن أن تحافظ على وجود عسكري محدود في قاعدة التنف والمنطقة الشرقية.

■ إسرائيل الخطر المحدق

● يمثل التغيير في سوريا كابوسا أمنيا للاحتلال الإسرائيلي. إذ لا تتوفر ضمانات لتل أبيب إزاء طبيعة النظام الجديد حال استقراره على المدى الطويل، كما أن احتمالات أن يتعزز الوجود العسكري التركي في سوريا يمثل تحولا في البيئة الأمنية الاستراتيجية للاحتلال الذي سيجد فجأة قوات تركية على حدوده. ولذلك؛ بادرت “إسرائيل” إلى تدمير الأصول الاستراتيجية العسكرية السورية، واحتلت المنطقة العازلة في الجولان ومواقع الرقابة السورية في قمة جبل الشيخ،

  • في ضوء هذه المعطيات ستخضع سيناريوهات التوغل الإسرائيلي داخل سوريا لجملة من العوامل:

رد فعل الإدارة الجديدة ومدى استعدادها لمواجهة التقدم الإسرائيلي.
موقف تركيا، كونها لاعبًا رئيسيًا في الملف السوري.
موقف المجتمع الدولي: وخاصة الولايات المتحدة.
الوضع الداخلي في “إسرائيل” واستعدادها العسكري لتحمل تكاليف حرب جديدة.

■ ثالثاً: العلاقات الخارجية

● التوجه غربا
أظهر أحمد الشرع ميله للتوجه غربا، وهي عملية ستمثل إعادة ضبط تاريخي للدولة السورية في المعادلة الجيوسياسية الدولية. ويأتي هذا التوجه مدفوعا باعتبارات مفكر فيها، ومن الواضح أنها ليست وليدة الأيام القليلة التي أعقبت هزيمة نظام الأسد. أبرزها: (1) معادلة النفوذ الروسي والإيراني التاريخي في مؤسسات الدولة السورية والذي بلغ مداه في العقد الماضي ويمثل حاليا تهديدا محليا للنظام الجديد. (2) رفع العقوبات الاقتصادية كضرورة لا مفر منها لإعادة بناء البلاد وبالتالي استقرار نظام الحكم الجديد. (3) تقدير الشرع بأن التفاهمات مع الولايات المتحدة ستمثل مفتاحا لتطوير العلاقات مع أوروبا ومع غالبية دول المنطقة العربية، مما يرسخ شرعية النظام الجديد على المستوى الدولي.

● تركز السياسية الأمريكية تجاه سوريا على قضايا وأجندات مختلفة استراتيجية وأمنية، في مقدمتها أمن “إسرائيل” وضمان أن سوريا لن تكون بيئة لأنشطة أو مجموعات تستهدف دولة الاحتلال، ويرتبط بذلك أيضا، ضمان إنهاء وجود إيران في سوريا ووقف استخدام سوريا كجسر بري من قبل إيران إلى لبنان. بالإضافة لذلك، فإن احتواء خطر تنظيم الدولة وتعاون دمشق في الجهود الإقليمية والدولية لمواجهته تمثل أيضا مسألة أساسية لواشنطن. بالإضافة لمطالب واشنطن المعلنة بخصوص تشكيل حكومة سورية شاملة وضمان حقوق الأقليات.
● روسيا: تعزيز البدائل
يؤمن الوجود الروسي في سوريا ورقة تفاوضية مهمة بيد الإدارة الجديدة، في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة والدول الأوروبية خاصة في مسألة العقوبات الاقتصادية. إذ ستكون موسكو خياراً بديلاً عن الغرب حال استمرار العقوبات والتصنيف، خصوصاً وأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن يمكن الاستفادة منه في الكثير من الملفات.
● تركيا: التحالف الحذر
تمر سوريا بمرحلة انتقالية بين أفول النفوذ الإيراني وصعود النفوذ التركي، ومن المتوقع أن تواصل القيادة الجديدة في سوريا تعزيز العلاقات مع أنقرة، خاصة وأن أهداف “إسرائيل” الإقليمية تضع الإدارة السورية في معادلة لا يمكنها فيها التصدي للتهديد الإسرائيلي دون الاستعانة بحليف استراتيجي مثل تركيا. وستعمل الإدارة السورية على موازنة تحركها الضروري باتجاه تركيا بعلاقات مع القوى العربية الرئيسية، خاصة السعودية، لتجنب العداء مع الحكومات العربية التي يزعجها استبدال نفوذ أنقرة في سوريا بنفوذ طهران المتداعي.
● إيران: تجنب العداء والإبقاء على التوتر.
من المرجح أن تظل العلاقات بين دمشق وطهران يخيم عليها التوتر في الأجل القريب. إذ يتعارض مسار إيران مع أولويات الإدارة السورية الأساسية المتمثلة في بناء تفاهمات مع الولايات المتحدة وتعزيز العمل مع تركيا والسعودية واحتواء العداء الإسرائيلي. ولذلك؛ بالرغم من محاولات إيران أن تسلك النهج التي سلكته روسيا في بناء العلاقات مع السلطة الجديدة، فإن دمشق أبقت على الاتصالات مع طهران في حدها الأدنى، وعبرت عن موقف أقل انفتاحا تجاه إيران، وهو موقف لا شك تفرضه أيضا اعتبارات العداء الشعبي في سوريا ضد إيران.

● الدول العربية: تفادي أخطاء الماضي
تتبنى الإدارة السورية استراتيجية عربية تقوم على بناء علاقات مميزة، والهروب من فخاخ الاستقطاب، وتجنب الصدام مع أي من القوى الإقليمية. وبالمجمل، سنشهد توجهاً سوريا نحو توثيق العلاقات مع السعودية، مدفوعة بتكريس خسارة طهران الاستراتيجية، فضلا عن أهمية العلاقات مع قطر لأسباب اقتصادية وسياسية كوسيط مع أطراف دولية. كما تهتم دمشق بالعراق والأردن ولبنان كدول جوار.

■ رابعاً: الحالة الاقتصادية
تركت سنوات الحرب الطويلة أثراً عميقاً طويل الأمد على البنية التحتية في قطاعات الكهرباء والمياه والنقل والرعاية الصحية، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 90٪، إلى جانب العقوبات الدولية، والمؤسسات الحكومية المتهالكة والفاسدة، وحالات النزوح واللجوء لنحو 13- 14 مليون شخص داخل سوريا وخارجها، لتصبح سوريا واحدة من أفقر اقتصادات الشرق الأوسط، إن لم يكن أفقرها على الإطلاق.
تعرضت حوالي ثلث المساكن ونصف المنشآت الصحية والتعليمية للتدمير الكامل أو الجزئي، وأدت الحرب إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة السورية من حوالي 45 ليرة مقابل الدولار عام 2010، إلى ما يقرب من الـ 15000 ليرة لكل دولار عشية الإطاحة ببشار، مما سبّب انهيارًا للقوة الشرائية للسكان. بالإضافة إلى ذلك تعرض قطاع النفط والغاز، الذي كان يمثل حوالي ربع إيرادات الحكومة، لضربات موجعة، وانخفض إنتاج حقول النفط التي تسيطر قسد على معظمها من 383 ألف برميل يوميًّا في 2011 إلى نحو 40 ألف برميل يوميًّا في 2023. وحدث الأمر نفسه مع القطاع الرئيسي الثاني، الزراعة، والتي شكلت قبل الحرب 20 – 25٪من الناتج المحلي الإجمالي، إذ كانت سوريا مكتفية ذاتياً في القمح، وتصدّر القطن.

المادة السابقة
المقالة القادمة
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات